تحول مهرجان أحواش بورزازات، الذي يفترض أن يكون موعدا سنويا للاحتفاء بالتراث المغربي والأمازيغي الأصيل، إلى موضوع جدل واسع في الأوساط الثقافية والإعلامية والحقوقية بالإقليم، بعد أن طفت على السطح مؤشرات الإقصاء، والزبونية، واستنزاف المال العام دون ترشيد أو شفافية.
ففي الوقت الذي كانت فيه فعاليات ثقافية وجمعوية محلية تنتظر أن تكون شريكا أساسيا في الإعداد والمساهمة في التنظيم، تفاجأت هذه الأطراف بإقصائها الكامل من المشهد، رغم حضورها المتكرر في سلسلة من الاجتماعات الإعدادية التي سبقت انطلاق التحضيرات الرسمية منذ نكسة الدورة الماضية وما رافقها من جلسات تقييم صورية لمباركة ميزانية التنظيم وتمريرها…
هذا الاقصاء نتج عنه تهميش ممنهج للفاعل المحلي واستبداله باطراف وشركات خارج الإقليم، لا احد يعلم كيف تم اختيارها وباي طريقة تم تكليفها مباشرة بمهمة مدروسة ومدسوسة تطرح اكثر من علامات استفهام حول المعايير والمساطر الادارية والقانونية التي مرت منها الميزانية المرصودة امام الجميع بما فيها السلطات والمجتمع المدني من جمعيات ثقافية وانسجة جمعوية بالاقليم والوزارة الوصية (قطاع الثقافة).
وامام خرق قدموا من اجل النهوض باوضاع المنتسبين لهذا الموروث الثقافي.
وفي قراءة دقيقة لميزانية التظاهرة منذ سنة 2023، الى حدود هذه الدورة الدسمة بلغت سنة 2023، مبلغ 100 مليون سنتيم، بتنظيم من قطاع الثقافة دون ان يتحكم فيها احد في تنظيم التظاهرة، اي قبل تأسيس “ورزازات افنت” ومن تم الى 200 مليون سنتيم سنة 2024، بعد صراع القوى والجشع، كانت نتيجته تقديم المدير الاقليمي لقطاع الثقافة بورزازات استقالته من الجمعية التي افقدت احوش والمهرجان بوصلته بشكل ممنهج وغير مفهوم وغامض ومعها اطرف لا يعلمها الا اعضاء الجمعية بل اكثر من ذلك تم بعدها اعفاء المدير الاقليمي ذاته من منصبه لدفاعه بكل مسؤولية عن تظاهرة ثقافية بدون مكياج وفنون التجميل، وصولا الى دورة فنون التجميل بدل فنون احواش ب 700 مليون سنتيم (سنة 2025) حسب ما يروج بدخول شركاء مؤسساتين كان لازما عليهم الاستثمار في السياحة والترويج لها كاختصاص مخول لهم قانونيا بعيدا عن القطاع الوصي الذي ظهر للعيان عدم اهتمامه الحقيقي بهذا المهرجان وحماية قيمته الثقافية والتراثية، التي من اجلها حضي بالرعاية السامية.
أكثر ما يثير التساؤلات هو التضخم الغريب في ميزانية المهرجان خلال السنوات الأخيرة، التي تطرح تساؤلات معلقة، حول كيف سيبرر القائمون على هذه الدورة من المهرجان هذا الارتفاع المهول، وهل سيقفز هذا الرقم إلى مليار سنتيم او ربمى اكثر في سنة 2026، أم ستراجع الجهات الممولة نفسها وتتراجع عن الدعم “وتعود حليمية الى عادتها القديمة”…؟
في المقابل، يعيش شباب المنطقة ظروفا اجتماعية واقتصادية صعبة، في ظل البطالة وغياب فرص الشغل وتدهور الخدمات والاجتماعية، ما يجعل الحديث عن صرف مئات الملايين على “احتفاليات موسمية” أمرا يثير الاستياء الشعبي، خصوصا ان المجتمع المدني كان سباقا الى الانخراط في المبادرات المحلية والاقليمية والوطنية، لتأطير وتوجيه المواطنين وخاصة الشباب بكل تطوعية لاسيما في ظل احتجاجات المطالبين منهم بتحسين الاوضاع الاجتماعية لهم ولكافة المواطنين بالاقليم والمغرب ككل في الاونة الاخيرة.
لم يقف الإقصاء عند حدود التنظيم، بل طال أيضاً الإعلام المحلي، الذي جرى تهميشه مرات ومرات لصالح مؤسسات إعلامية وافدة من خارج الاقليم والجهة، في وقت يُكافح فيه الإعلام المحلي والجهوي على حد سواء من أجل البقاء والاستمرار، رغم محدودية الإمكانات.
وبالنسبة للفاعلين الثقافيين المحليين، الذين يحملون تراث أحواش في قلوبهم ويمارسونه بصدق، فقد وجدوا أنفسهم امام تعويضات في كل تظاهرة اقل ما يمكن القول عنها جد هزيلة إذ لم نقول مذلة، ولا ترقى لطموحاتهم بل هي في صالح فنانين ومغنيين لا تربطهم صلة بثقافة أحواش ولا بتراثه العريق، الا “ثقافة الكاشي”، ما يطرح سؤال الهوية والغاية من تنظيم هذه التظاهرة أصلا بميزانية كبيرة، لا ترقى لطموحات التثمين والمقاربات الاجتماعية ولا الاقتصادية.
المفارقة المؤلمة أن مهرجان أحواش، الذي أنشئ في الأصل لتثمين هذا الفن التراثي الأمازيغي، أصبح مناسبة لطمس معالمه الثقافية عبر برمجة ودس فنانين بعيدين عن روح أحواش، وتقزيم حضور فرقه المحلية، واستغلال بؤس المنتسبين لها التي تمثل الطبقة الفقيرة والمهمشة.
هذه الفرق، التي تعاني من غياب الدعم وضعف التمكين، لم تحظ بما تستحقه من تقدير رغم كونها الحاملة الحقيقية للذاكرة الثقافية الجماعية، بل تجرعت من ممارسات طمس هوية فن احواش وتهميش الفرق التراثية كسكثة قلبية لهذا المجال بالاقليم والجنوب الشرقي عامة.
وفي ظل هذا الواقع، يطالب العديد من المهتمين بضرورة إعادة النظر في طريقة تدبير مهرجان فنون احواش، وضمان شفافية التمويل، ومشاركة الفاعلين المحليين في صنع القرار، وربط أي دعم مالي بالأثر الثقافي والاجتماعي الفعلي للتظاهرة على الإقليم وساكنته، وانفتاح حقيقي لمؤسسات الدولة بكل وضوح على مكونات الشأن المحلي لتجويد الخدمات وتدبير انجع للحكامة الجيدة في التسيير داخل الاقليم داخل اقليم ورزازات تنزيلا لخطابات الملك محمد السادس نصر الله.
فورزازات لا تحتاج إلى مهرجان “مستورد” بقدر ما تحتاج إلى مشروع ثقافي محلي أصيل، ينطلق من الميدان ويعود بالنفع على أبنائها، لا لجلب الدعم العمومي وتوزيعه قبل وصوله لصالح مؤسسات وشركات الانتاج المنتقاة وجمعيات بثوب الشركات التجارية اسست لهذا الغرض في ظرف قياسي كما يراها المتتبع للشأن المحلي.
بين أحواش الهوية، وأحواش الميزانية، تضيع بوصلة الثقافة في مدينة الثقافة والسينما والواحات، فهل ستتحمل كل من وزارة الثقافة والجهات الممولة والسلطات مسؤوليتها، في تصحيح المسار، أم سنشهد نسخة أخرى من مهرجان “للواجهة فقط” في سنة 2026، وربما بازيد من مليار سنتم كفيل بتقديم ولو جزء مهم من الخدمات الاجتماعية الضرورية التي ناد بها ساكنة الاقليم قبل الشباب المحتج في الاون الاخيرة…؟