منذ استقلال المغرب، لم تكن سبل الدرس الفلسفي معبدة. لقد عاشت الفلسفة “محنة” منذ ذلك الوقت، حتى وصفت بـ”المشاغبة”، لتصدر في حقها سنوات السبعينيات، مذكرة تقر بإلغائها من برامج التعليم، إذ تم حذف مادة الفلسفة كليا من مقررات التربية الوطنية، قبل أن يستقر رأي المسؤولين على محاولة “أسلمتها” من الداخل، في مقابل ذلك تم العمل على تقوية مكانة التربية الإسلامية في المقررات الدراسية.
لقد كان مبرر الهجوم على الدرس الفلسفي في المغرب، هو انتشار الماركسية ونمو التيارات اليسارية الراديكالية في السبعينيات من القرن الماضي. وتم الإجهاز على تدريس هذه المادة. ما جعل الدرس الفلسفي يتحمّل تبعات الصراع السياسي والإيديولوجي القائم في المجتمع.
الدرس الفلسفي اليوم، أصبح يصارع في كثير من لحظاته، من أجل العودة إلى الفلسفة. لأنه درس بات قريبا من كل شيء ويشبه كل شيء إلا الفلسفة. في المقابل تعمل المؤسسة (المدرسة المغربية) بكل قوتها من أجل تدجين هذا الدرس ولجمه.
لجم وتدجين للدرس، يتضح أساسا، في إلهاء مدرس الفلسفة بخرافة الديداكتيك والنظريات البيداغوجية التي لا تأتي أكلها، ما لم يكن هناك درس فلسفي في مستوى الوظيفة النقدية للفلسفة.
أسئلة الدرس الفلسفي لا يمكن أن تُختزل في ما هو بيداغوجي فقط
لا يعني الأمر هنا، أن ينفلت الدرس من المناهج والأدوات والوسائل التعليمية، ولكن لا يتوجب أن يتحول النقاش حول المناهج والأدوات إلى غاية. فأسئلة الدرس الفلسفي، لا يمكن أن تُختزل في ما هو بيداغوجي فقط. بل يجب أن ترتبط بأسئلة الفلسفة ذاتها. بما هي نقد وخلخلة وتفكيك للبديهيات وللحقائق الثابتة، وأيضا بأسئلة المجتمع ورهاناته.
هذا الأمر لا يمكن أن يتحقق، مادامت صورة الدرس الفلسفي باهتة. تكشف عن أن ما يقدم للمتعلّم ليس سوى دروسا لاجتياز الامتحانات والحصول على نقطة جيدة. بدل إشباع نهمه وتعطشه للمعرفة الفلسفية.
الواجب في الدرس الفلسفي، وإن في مساراته المتعثرة، أن يدفع المتعلم إلى التمرّس على أساليب المساءلة والتحليل النقدي والحجاج. باعتبار هذه العمليات هي الضامنة لاستقلالية التفكير. وهي السبيل إلى إقرار فكر الإنصات والتحاور والتفاهم والتسامح، ضد كل أشكال العنف، رمزيا كان أو جسدياً.
لقد اتخذ درس الفلسفة في المدرسة المغربية (مرحلة التأهيل للدرس الجامعي)، للأسف، توجها يتناقض واقعيا مع غايته الفعلية. وهو أمر يحتم على المهتمين الانخراط الواسع في لحظة نقدية ضرورية. لفك الثنايا المعقدة لما نسميه اليوم بالخلل أو الأزمة، ونقصد بالتحديد أزمة درس الفلسفة.