ترأس وزير الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات، أحمد البوعاري. حفل افتتاح فعاليات الدورة الرابعة عشرة للمعرض الدولي للتمور بأرفود التي تجري تحت الرعاية السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله. تحت شعار يعكس أحد أكبر التحديات التي تواجه الفلاحة الوطنية، وهو “التدبير المستدام للموارد المائية: أساس تنمية نخيل التمر والمجالات الواحية”. تأكيدا للوعي المتزايد بضرورة ترشيد استعمال المياه في ظل التغيرات المناخية التي تضرب بقوة المناطق الواحية بالمملكة. والتي تُعتبر خزانات حيوية للتنوع البيولوجي ومصدر رزق أساسي لآلاف الأسر.
وحضر حفل الافتتاح مع الوزير والي جهة درعة–تافيلالت ورئيس الجهة وعدد من المنتخبين والمسؤولين والمهنيين. إلى جانب وفود وطنية وأجنبية تمثل مختلف مكونات القطاع الفلاحي والواحي. وقد عرفت هذه الدورة مشاركة واسعة فاقت التوقعات. حيث يمتد المعرض على مساحة تناهز 40 ألف متر مربع ويضم حوالي 230 عارضًا من داخل المغرب وخارجه. مع توقع استقبال أكثر من 90 ألف زائر من المهتمين والمستثمرين والباحثين. وتأتي هذه الأرقام لتكرّس مكانة المعرض كأكبر تظاهرة وطنية مخصصة لسلسلة نخيل التمر وفضاء للتعريف بفرص الاستثمار في المناطق الواحية.
ويحمل المعرض هذه السنة بعدًا استراتيجيًا يتجاوز العرض التجاري إلى التفكير في مستقبل الواحات كمجالات مهددة بفعل ندرة المياه والضغط البيئي. فالواحات المغربية ليست مجرد مناطق إنتاجية. بل منظومات بيئية واجتماعية متكاملة تشكّل حزامًا واقيًا ضد التصحر. وتساهم في التوازن البيئي والمحافظة على التنوع الطبيعي. لذلك فإن اعتماد مقاربة مستدامة في تدبير المياه يشكل شرطًا أساسيًا لاستمرار الحياة بهذه المجالات وضمان تنميتها الاقتصادية والاجتماعية. وفي هذا الإطار، تسعى وزارة الفلاحة من خلال هذا المعرض إلى خلق فضاء للتفكير المشترك بين الخبراء والفاعلين حول كيفية ضمان استدامة الزراعة الواحية وتعزيز مردودية سلسلة التمور بما يتوافق مع المعايير البيئية الحديثة.
هيكلة المعرض
وجرى تنظيم المعرض وفق هيكلة متكاملة تضم سبعة أقطاب موضوعاتية تهم الإنتاج، والتسويق، والبحث العلمي، والابتكار، والاستثمار، والتعاونيات، مما يتيح فرصة مثالية لتبادل الخبرات بين المنتجين والمصدرين والباحثين. كما يشكل المعرض مناسبة لعرض أجود أصناف التمور المغربية مثل المجهول، وبوفكوس، وتيكنت، فضلاً عن الترويج للمنتجات المجالية المشتقة من التمور، والتي أصبحت تعرف رواجًا متزايدًا في الأسواق الوطنية والدولية.
ولم يقتصر الحدث على البعد الاقتصادي، بل تميز أيضًا ببرنامج علمي واستثماري غني، إذ تم تنظيم منتدى الاستثمار بشراكة بين وكالة التنمية الفلاحية ومجموعة القرض الفلاحي للمغرب تحت شعار “الاستثمار المسؤول من أجل تنمية نخيل التمر والمجالات الواحية”، وهو لقاء جمع مسؤولين وخبراء ومهنيين ناقشوا سبل تطوير سلاسل الإنتاج بما يراعي البعد البيئي والاجتماعي. كما احتضن المعرض يومًا علميًا أشرف عليه المعهد الوطني للبحث الزراعي والوكالة الوطنية لتنمية مناطق الواحات وشجر الأركان، بشراكة مع منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة “الفاو” والمركز الدولي للبحوث الزراعية في المناطق الجافة “إيكاردا”. وركزت هذه الندوة على البحث عن حلول علمية مبتكرة لمواجهة آثار التغير المناخي على الواحات المغربية، خصوصًا في ظل التراجع المقلق للموارد المائية وارتفاع درجات الحرارة.
زيارة ميدانية
وفي سياق مواكبة التنمية المائية بالمنطقة، قام الوزير بزيارة ميدانية لمشروع ضخم يتمثل في تهيئة وتحويل مياه فيضانات وادي غريس نحو بحيرة مرزوكة عبر سد مقطع الصفا، وهو مشروع رائد في تعبئة المياه السطحية لفائدة الفلاحة المحلية. بلغت كلفة هذا المشروع 85,23 مليون درهم، ويستفيد منه أكثر من 6.700 نسمة بجماعتي الريصاني وتاوس، كما سيمكن من ري مساحة تناهز 1.200 هكتار من الأراضي الفلاحية. وإلى جانب أهدافه الفلاحية، سيوفر المشروع ما يزيد على 341 ألف يوم عمل خلال فترة الإنجاز، ما يساهم في تحسين الدخل المحلي ومحاربة البطالة. ويتضمن المشروع بناء سد تحويل بطول 260 مترًا عند قصر سيدي أحمد بن مداني، وإنجاز قناة نقل مياه على طول 14 كيلومترًا تصل إلى بحيرة مرزوكة، إضافة إلى قناة ري ثانوية بطول 2,6 كيلومتر لتزويد أراضي مقطع الصفا.
كما يشمل إعادة تأهيل السد القديم لبحيرة مرزوكة وتحديث شبكة الري لتأمين استدامة المنظومة المائية بكاملها. ويهدف المشروع إلى تحسين تعبئة المياه السطحية، وتعزيز الري بالمنطقة، والرفع من القدرة التخزينية لبحيرة مرزوكة التي تعد موقعًا بيئيًا وسياحيًا ذا أهمية كبرى. كما يسهم في تنشيط الزراعة المحلية وتحسين مستوى معيشة الفلاحين، ويساعد في تثبيت السكان بالمناطق القروية عبر خلق بدائل اقتصادية مستدامة. ويمثل هذا المشروع أحد النماذج الميدانية التي تجسد رؤية استراتيجية “الجيل الأخضر 2020–2030”، الهادفة إلى تحقيق تنمية فلاحية مستدامة ومتكاملة ترتكز على الابتكار والإنتاج المسؤول وضمان السيادة الغذائية.
اتفاقية شراكة
وفي خطوة أخرى تعزز البعد العلمي للمعرض، تم توقيع اتفاقية شراكة بين الوكالة الوطنية لتنمية مناطق الواحات وشجر الأركان، والمعهد الوطني للبحث الزراعي، والمنظمة العربية للتنمية الزراعية، تروم تعزيز البحث العلمي والابتكار في خدمة استدامة المنظومات الواحية. وتندرج هذه الاتفاقية ضمن البرنامج النموذجي لتنمية الواحات بالمغرب، بتمويل قدره 200 ألف دولار، وتشمل تنفيذ مشاريع عملية في مجالات حماية الموارد الطبيعية، وتثمين الأصناف المحلية من التمور، ومكافحة التصحر، وخلق أنشطة مدرة للدخل لفائدة النساء والشباب. ويُنتظر أن تسهم هذه المبادرات في تطوير أنماط إنتاج جديدة تحترم البيئة وتستجيب لمتطلبات السوق، مع دعم البحث الميداني الذي يُعنى بحماية الواحات من التدهور وضمان نقل المعارف إلى الفاعلين المحليين.
وتبرز أهمية هذا المعرض في كونه يجمع بين البعد الاقتصادي والإنساني والبيئي. إذ يشكل فرصة لتثمين الموروث الزراعي والثقافي للواحات المغربية. والتأكيد على مكانتها كرافعة للتنمية المحلية. كما يبرز الجهود الوطنية المبذولة لمواجهة التحديات المناخية وتثبيت السكان في مجالاتهم الأصلية من خلال مشاريع واقعية تدمج بين التنمية والإبداع والتكيف البيئي. ومع كل دورة جديدة، يؤكد المعرض الدولي للتمور بأرفود أنه ليس مجرد حدث تجاري. بل منصة استراتيجية تسعى إلى بناء مستقبل مستدام للواحات المغربية. حيث يلتقي العلم بالتنمية. وتتحول التحديات إلى فرص من أجل تنمية متوازنة تحافظ على الموارد وتكرم الإنسان.


































