قبل 6 سنوات نشرت فتاة أسترالية تدعى kylie flavell فيديوهات تكشف و تعري الواقع المظلم بالمغرب العميق ، وكما العادة ننتظر الغرباء لينقلوا حجم معاناة وواقع حال سكان أفقر جهات الوطن ، ومن لا يعرفها فهي صحفية و طباخة و مقدمة برامج تلفزية تشاهد في أكثر من 60 دولة ، تعمل مع ناشيونال جيوغرافي و فوكس لايف و غيرها من القنوات العالمية ، قامت أنذاك بزيارة للمغرب لتعطي دروسا في الصحافة للسخافة عندنا ، و كيف يمارس العمل الصحفي المحترف، و الذي يعمل لصالح الدولة و مواطنيها ، و الدفاع من أجل مستقبل يعيش فيه الإنسان بكرامة على الأقل ، لكن أغلب المنابر الإعلامية و الصحفية في البلاد لا تستحق هذا اللقب ، ليس من السهل أن تخدع الصحافة العالمية التي تشتغل باحترافية.
فبعد زيارتها لمناطق نائية بأعالي الجبال تمكنت من وضع أصبعها على جرح غائر بجغرافية يطلق عليها المغرب الغير النافع ، أو المنسي حيث يعيش هناك أصحاب الأرض من أبناء و أحفاد المقاومين في ظروف سيئة تثير الحزن في النفوس ، سكان يعيشون الإهمال التام ، لا طريق ولا مستشفيات ولا مدارس تعليمية … لا وجود للدولة في شخص حكومتها بتاتا ، وهي تحاورهم إعتلى الحزن على وجهها حيث لم تصدق أن الأطفال الذين صادفتهم و إلتقت بهم لا يعرفون طريقا للمدرسة ، ليس مؤقتا بل حتى في المستقبل القريب ،تحاول لملمة جروحهم، تداعبهم، تواسيهم تنظر الى وجوههم التي تكتسي جمالا طبيعيا رغم الأوساخ التي تعتليها ، أطفال لا يعرفون ما معنى الملابس الجديدة ولا الموضة ، يكتفون بالملابس البالية و أرجلهم مكشوفة، لا شيء يحميها من البرد ، قس على ذلك بشرة أيديهم و التي تشوهت جراء البرد القارس ، إنه المعنى الحقيقي للضياع في رقعة جغرافية يطغى عليها السواد و القهر، و حكوماتنا تتغنى بالعدالة المجالية و تكافؤ الفرص.
وفي حوار مع السائق الذي أوصلها للمكان، و آلة التصوير مشغلة تقول وهي باكية هذا هو المغرب الحقيقي ، مدركة حجم المعاناة التي يواجهونها، و سيواجهونها مستقبلا ، والزمن يجري بها ولضيق الوقت تحاول إدخال الفرحة الى نفوسهم البريئة قررت إعطاءهم بعض الطعام لتصدم بعدها أن السكان في أمس الحاجة لأي شيء يبقيهم على قيد الحياة ، وقفت على الأوضاع المزرية التي يعيشونها تتساءل باستغراب ، هل حقا يوجد أشخاص في مثل هذه الأوضاع بهذا العالم ؟ قضت وقتا ممتعا كله عناق و بكاء لتتركهم في النهاية لمصيرهم المجهول ؛ منحتهم موادا غذائية بسيطة وهي لا تدرك أن الزيت و السكر أهم بالنسبة إليهم من ناطحات السحاب .
بعد مغادرتها ، وقد وثقت كل معاناتهم على آلة التصوير لتعرضها للعالم ، وتبلغهم ما تفعله سياسة الفشل، و حكومة الفشل بالمواطنين في الهوامش؛ مواطنون صنع أجدادهم التاريخ ، وخرج أحفادهم من الجغرافيا ، لكن ما لا تعلمه الصحفية كايلي أن حكوماتنا المتعاقبة تعودت الفضيحة، ولم تعد تخجل منها .
غالبا ما نسمع أن الحكومات تتحكم بها مافيا تجرم في حق الدولة و الشعب ، وأنا أقف هنا لأقول إن المافيات في العالم لديها أخلاقيات ، تشيد المدارس ، تهتم بالفقراء، وقد تكون أرحم من هؤلاء.
غادرت كايلي، وبقي الأطفال و أعينهم تنتظر من يستطيع أن يرأف بحالهم من بني جلدتهم من المغاربة، أم أن عليهم أن ينتظروا عودة كايلي أو أحد الغرباء لجلب مواد غذائية لا تحقق الغذاء الكامل. يا ليت حكومتنا مثل kylie، يوما ما ستسمعها من فم طفل.
في نهاية هذا المقال أقول : كلنا يعلم هذا الواقع في وقت أصبحت فيه الكثير من القلوب قاسية ، و تعودت مثل هذه الفظاعات التي ترتكبها الحكومات المتعاقبة، فقدوم الغرباء و ردة فعلهم حيث ترى كيف يؤثر الأمر في مشاعرهم بينما قلوب المسؤولين أبناء جلدتنا لا يهتمون ولا يتحركون إلا لمصلحة شخصية ، حزبيةضيقة أو ربما عائلية ، هكذا هو الإنسان الذي فقد إنسانيته، وقسى قلبه، و انعدمت أحاسيسه ، وكأن سعادتهم تتحقق بالنظر الى المواطن و هو يعاني جراء الجوع و المرض و الضعف و الفقر و الحزن .