الرشيدية 24 : محمد العيد –
رغم التحولات العميقة التي يعرفها العالم في مختلف مناحي الحياة، لا يزال ساكنة بلدة أخيت متشبثين بعاداتهم الأصيلة وتقاليدهم العريقة، التي تعكس روح التضامن والتآزر الاجتماعي، ومن أبرزها مناسبة “أيدود ن غهوشت” التي تُنظم كل سنة في الجمعة الاولى من شهر غشت ، وتعد من أهم المحطات الرمزية التي تعزز الروابط بين أفراد المجتمع المحلي.
تنطلق التحضيرات لهذا الحدث السنوي بمبادرات شبابية تطوعية، حيث يبدأ الشباب في جمع المساهمات المالية من السكان قبل يوم المناسبة، ليتم بها اقتناء الذبائح ومستلزمات إعداد وجبة الكسكس التقليدي. وفي صباح يوم الجمعة، تتكلف مجموعة من النساء بطهي الكسكس داخل البيوت، بينما يقوم الشباب والرجال بحمل الذبائح مرددين الأهازيج الشعبية مثل: (qdmnaka jah nnbi. 9dm1n1ka ajah rssol….)، في مشهد احتفالي يبعث على البهجة ويعيد إلى الأذهان صوراً من الماضي الجميل.
ييتوجه الموكب بعد ذلك نحو موقع قريب من جبل تازلوت الذي يتم فيها ذبح الذبائح في هذا المكان، الذي توجد فيه عين الخطارة، التي تعود نشأتها إلى سنة 1946، حين قام أوائل سكان القصر بحفرها والاستفادة من مائها، ومن بينهم عائلات: آيت زكان، آيت موهو، آيت أوسو، آيت أولعيد، إبغاطن، آيت الهجى، وآيت فراجي. ومنذ اكتشاف الماء في هذه العين، أضحت هذه المنطقة مسرحا سنويا لإحياء هذه المناسبة المناسبة، وذلك في الجمعة الأولى من شهر غشت، باعتبارها لحظة رمزية توثق لأول مرة جريان الماء، وما يحمله من بشارة وخير . وبعد ذلك، يُعاد نقل الذبائح إلى وسط إغرم حيث تُسلخ تحت ظلال الأشجار المحيطة بـإكران، ثم تُقطع بالقرب من المسجد بحضور الشيوخ وأمام أعين الأطفال الذين تغمرهم السعادة والفرح.
وفي تقليد آخر يعكس روح التشارك والشفافية، تُعرض الدوارة للبيع في مزاد علني (الدلالة)، حيث يشارك الحضور في المزايدة على أثمن القطع، وتعود هذه النقود لتغطية مصاريف المناسبة أو لدعم المبادرات المحلية، في صورة من صور التضامن التي ما زالت متجذرة في سلوك سكان قصر أوخيت
عقب ذلك، يُسلم اللحم للنساء من أجل الطهي، ويجتمع السكان بعد صلاة الجمعة في مكان مشترك أو داخل أحد البيوت لتناول وجبة الكسكس في جو يسوده التسامح والمودة، ويجسد معاني الأخوة والانتماء. بعد ذلك، يُخصص وقت لقراءة آيات من القرآن الكريم، يتضرع خلاله الجميع إلى الله من أجل نزول الغيث النافع وصلاح الأحوال.
والدعاء لصاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره بالشفاء وطول العمر والاسرة العلوية الشريفة .
ورغم مظاهر “التقدم” والتغيرات الاجتماعية والفكرية التي طرأت على العالم، لا يزال سكان أخيت متمسكين بهذه التقاليد التي يرون فيها أكثر من مجرد احتفال موسمي، بل عبادة اجتماعية ورافعة قوية للحفاظ على اللحمة المجتمعية والهوية الثقافية.
وفي وقت تعرف فيه كثير من المجتمعات تراجعاً عن ممارسة مثل هذه الطقوس الجماعية، تبقى ساكنة قصر أخيت نموذجا حيا لصمود الذاكرة الشعبية واستمرارية العادات التي توارثها الأجداد، وتُمارس اليوم بروح جديدة، لكن بنفس الإيمان بجدواها ودورها الحيوي في تقوية أواصر المحبة والتعايش.