ميثاق،مخطط،رؤية،خارطة،جودة،ريادة،هي مصطلحات اقترنت بالمدرسة العمومية المغربية متحت من معجم القانون تارة ومن حقل المقاولة تارة أخرى ومن مفردات جغرافية أو علمية أحيانا،وقد قابلها احتجاج وجدل ونقاش واحتقان،وتدمر وقلق ومطالب في صفوف نساء ورجال التعليم،زاد من حدته صدور وثيقة النظام الأساسي لموظفي قطاع التربية الوطنية الذي حملته وزارة بنموسى في بطنها وهنا على وهن لأكثر من سنة ونصف وولدته لقيطا وقد تبرأت من نسبه النقابات المشاركة في تشكيله متهمة الوزارة بالانفراد والزيغ على المقاربة التشاركية وتهريب مشروع مرسومه إلى المجلس الحكومي الذي نفخ فيه ورأى النور ،بل بادرت الجهة المسؤولة إلى تسجيله بكناش الحالة المدنية/الجريدة الرسمية،فانبرت الوزارة تدافع عن شرعية المولود الذي نبذه أهله وأسرته،فعقدت اللقاءات المركزية والجهوية والإقليمية والمحلية احتفاء بعقيقته وشرح نسبه وتفاصيله وتحليل جيناته واختبار حمضه النووي للاقتناع بأن الوليد ليس نتيجة لعان بل هو ثمرة علاقة قران/تفاوض بين الوزارة والنقابات الأكثر تمثيلية استمرت لمدة ناهزت الحول ونصفه،وقد كان الجميع على علم بهذا القران،وقد باركته خمس نقابات،فظهرت بوادر الحمل منذ 18يناير 2022بالتوقيع الجماعي على أحرفه الأولى بموجب اتفاق مرحلي،فكان حينذاك نطفة ثم صار علقة يوم 14يناير 2023،وأعلنت إحدى النقابات التي وطئت أن الحمل سفاح، بينما راهن الآخرون على تحمل عسر ولادة الجنين عله يرى النور سالما.
اليوم،وقد مر شهر على خروج هذا المخلوق للوجود،وهو المولود الذي لم يرض العاملين بالقطاع ورفع منسوب الاحتقان لأنه لم يكن في مستوى تطلعات العديد من الفئات التعليمية،فأكيد على أنه سيرهق منظومتنا المعطوبة وسيرهن مستقبلها وسوف يفعل فيها فعلته وسوف يأتي بعكس الأهداف التي وضع لها.
هو نظام أساسي تدعي الوزارة كونه محفزا،موحدا ومنصفا،بينما تعتبره الشغيلة نظام مآس داس على الحقوق وأجهز على المكتسبات،والخير فيه أنه حفزها على مزيد من الاحتجاج والرفض وعدم القبول ووحدها رغم اختلاف مطالبها على الخروج إلى الشارع للتمرد على الوضع الاجتماعي والاقتصادي المقلق والتعبير عن عدم الرضى بوضعية المدرسين مقارنة بنظرائهم بقطاعات محظوظة تجني المكاسب والعلاوات في صمت،والتحرر من سنوات عجاف من الظلم والغبن والتبخيس والتحقير في ظل التهاب صاروخي للأسعار وتجميد لأجور هزيلة لم تعد قادرة عل مجاراة ارتفاع تكاليف الخدمات والعيش الكريم.
ليس المقام هنا لنخوض فيما حققته هذه الفئة دون أخرى،ولن نتحدث عن مضامين ومواد الوثيقة وما تتضمنه من حقوق وواجبات وفرائض وسنن ومستحبات وجزاءات وعقوبات وتعويضات وإكراميات ومكافآت ومنح،لكننا ننبه الجميع إلى أن أي نظام أساسي لم يستهدف بدرجة أولى المدرس، فمهما حملت مواده وأبوابه سيظل قصيرا عن بلوغ مدرسة الجودة والريادة والإنصاف والارتقاء وهلم جرا من مرادفات،وإن أية ترسانة تربوية قانونية لاتروم الارتقاء بالوضع الاعتباري للمعلم وتحسين مكانته المادية والاقتصادية والنفسية والمهنية تكون قد أخطأت مراميها وخلفت الموعد والهدف في كسب رهان الإصلاح وتحقيق التنمية الشاملة للقطاع والمجتمع والأمة،وإذ نجزم بهذا فإننا لانبخس مهام وأدوار الفئات التعليمية الأخرى التي تظل معينة للمدرس وميسرة لمهامه داخل الفصول الدراسية ليؤدي مهامه بأريحية وإقبال وانخراط مسؤول لبلوغ الأثر إلى التلميذ. اليوم ومنظومتنا التعليمية عل صفيح ساخن يكوي جميع المتدخلين وقد يعصف بزمن المتعلمين ويحرق مستقبلهم،نحتاج إلى صوت العقل والرجاحة والحكمة والتبصر لإنقاذ ما يمكن إنقاذه،ولات ساعة مندم أو تخوين أو تحميل للمسؤولية لطرف دون آخر،فالوزارة نوت الإصلاح وما عرفت له سبيلا،وشركاؤها الاجتماعيون فاوضوا وطالبوا وناهضوا،غير مسنودين للأسف بثقة القواعد أحيانا، كما راسلوا ونبهوا وحذروا غير مؤازرين للأسف برضى الجماهير، فاجتهدوا ولم يصيبوا ولم يدركوا الكل ولم يتركوا الجل على حد قولهم،وفي موقف كهذا يتطلب من الشغيلة التعليمية عدم التبخيس ونبذ التيئيس وتجاوز جلد الذات والتمسك بالوحدة ورص الصفوف وإشاعة الثقة،وهو ما سيحمل الوزارة/الحكومة على الرجوع إلى طاولة الحوار بتعديل ما يعدل وتصحيح ما يصحح،فالنظام الأساسي منتوج إنساني قد يأتيه الباطل من بين يديه أو من خلفه،وقد تبينت عيوبه وتشوهاته وهو في مهده، وتصويبه الآن أهون من مراجعة تبعاته أو إنصاف ضحاياه المحتملين غدا ،فمن واجب الجميع الانخراط والتحلي بالجرأة والشجاعة اللازمة وصياغة مراسيم تعديلية ومقررات تنظيمية ناضجة ومتوافق عليها تلبي حجم الانتظارات وتلامس تطلعات شغيلة تعليمية تتوق فقط وفقط إلى الكرامة والعدالة الاجتماعية. فيا معشر نساء ورجال التعليم تعالوا إلى كلمة سواء بيننا أن نكون أسرة واحدة متراصة وألا يفرق نظام بيننا ولا تسخر فئة من أخرى ولا يتزايد أحد منا عن الآخر ولانتنابز بالألقاب ولا يخون بعضنا بعضا ،خدمة للمدرسة العمومية وأبناء وبنات الوطن.