التدخين هو أحد العادات الضارة التي تؤثر بشكل كبير على صحة الإنسان، حيث يتسبب في العديد من الأمراض والمشاكل الصحية التي قد تؤدي إلى الوفاة المبكرة. في هذا الموضوع، سنناقش أضرار التدخين على الجسم وكيفية تأثيره على متوسط العمر المتوقع، مستندين إلى معطيات حديثة من دراسة أجراها باحثون في جامعة كوليدج لندن.
وأظهرت دراسة حديثة أجراها باحثون في جامعة كوليدج لندن أن كل سيجارة يدخنها الشخص يمكن أن تقلل من عمره بمعدل 20 دقيقة. وقد تم جمع البيانات من دراسات أجريت على رجال ونساء في بريطانيا منذ عام 1996. وتفصيلًا، يختلف التأثير بين الجنسين، حيث تبين أن الرجال يخسرون حوالي 17 دقيقة من حياتهم بسبب كل سيجارة يدخنونها، بينما يخسر النساء 22 دقيقة لكل سيجارة. هذه البيانات تشير إلى التأثير السلبي الكبير للتدخين على طول العمر.
وتخيل أن الشخص الذي يدخن علبة سجائر يوميًا (أي 20 سيجارة) سيخسر تقريبًا 20 دقيقة من حياته عن كل سيجارة، وهو ما يعكس مدى الضرر الذي يسببه التدخين على المدى الطويل. هذا التراجع في العمر يمكن أن يؤدي إلى حياة أقصر وحياة مليئة بالأمراض والمعاناة الصحية.
ويؤثر التدخين بشكل رئيسي على الجهاز التنفسي، حيث يحتوي الدخان الناتج عن السجائر على العديد من المواد السامة مثل النيكوتين وأول أكسيد الكربون والقطران، التي تتراكم في الرئتين وتسبب تدهورًا في وظائفها. على المدى الطويل، يؤدي التدخين إلى الإصابة بأمراض مزمنة مثل:
مرض الانسداد الرئوي المزمن (COPD): ويشمل التهابات الرئة مثل التهاب الشعب الهوائية المزمن وانتفاخ الرئة، ويؤدي إلى صعوبة التنفس.
سرطان الرئة: يعد التدخين العامل الرئيسي في الإصابة بسرطان الرئة، حيث تزيد احتمالية إصابة المدخنين بهذا المرض بشكل كبير مقارنة بغير المدخنين.
التدخين يؤثر أيضًا بشكل كبير على صحة القلب والأوعية الدموية. فالتعرض للمواد السامة في السجائر يؤدي إلى تضييق الأوعية الدموية وزيادة خطر الإصابة بالجلطات القلبية والسكتات الدماغية. تشير الدراسات إلى أن التدخين يزيد من معدل ضغط الدم، ويؤدي إلى انخفاض مستوى الأوكسجين في الدم، ما يزيد من العبء على القلب. بمرور الوقت، يؤدي ذلك إلى تدهور صحة القلب وزيادة احتمالية الإصابة بأمراض القلب التاجية.
ويعتبر النيكوتين، المادة الفعالة في السجائر، من المواد المخدرة التي تؤثر على الجهاز العصبي. يسبب التدخين زيادة مؤقتة في مستوى الدوبامين في الدماغ، مما يعطي المدخن شعورًا بالراحة والمتعة. لكن مع مرور الوقت، يؤدي التدخين إلى الإدمان على النيكوتين، مما يجعل المدخن بحاجة إلى استهلاك المزيد من السجائر للحصول على نفس الشعور. كما يسبب التدخين ضعفًا في الذاكرة والتركيز، وقد يزيد من خطر الإصابة بأمراض عصبية مثل مرض الزهايمر.
ويضعف التدخين جهاز المناعة ويزيد من القابلية للإصابة بالعديد من الأمراض المعدية. فالمواد السامة في السجائر تضر بالخلايا المناعية وتقلل من قدرتها على محاربة العدوى. كما يعاني المدخنون من التئام الجروح ببطء، مما يزيد من تعقيد العمليات الجراحية ويزيد من خطر العدوى بعد العمليات.
التدخين لا يضر فقط بصحة المدخن نفسه، بل يؤثر أيضًا على الأشخاص من حوله. الأشخاص الذين يتعرضون للتدخين السلبي (التدخين غير المباشر) قد يعانون من مشاكل صحية مشابهة لتلك التي يعاني منها المدخن نفسه، مثل مشاكل التنفس وأمراض القلب. في دراسة جامعة كوليدج لندن، أكدت الدكتورة سارة جاكسون أن “الوقت الذي يخسره المدخن هو وقت كان يمكن أن يقضيه بصحة جيدة مع أحبائه”. وهذا يبرز أهمية التأثير الاجتماعي للتدخين، حيث يؤدي إلى تقليل القدرة على التفاعل مع الآخرين ويزيد من عبء الأمراض على الأسرة.
ومن الجيد أن نذكر أن الإقلاع عن التدخين يمكن أن يؤدي إلى تحسين كبير في صحة الفرد وزيادة متوسط عمره المتوقع. عند التوقف عن التدخين، يبدأ الجسم في التعافي من تأثيرات الدخان، حيث تتحسن وظائف الرئتين، وينخفض ضغط الدم، وتقل مخاطر الإصابة بالعديد من الأمراض. كما أن الإقلاع عن التدخين يقلل من المخاطر الاجتماعية والصحية التي يتعرض لها المحيطون بالمدخن.
وفي في ضوء المعطيات التي قدمتها دراسة جامعة كوليدج لندن، من الواضح أن التدخين له تأثير ضار للغاية على الصحة العامة وطول العمر. إذ يمكن أن يؤدي إلى أمراض مزمنة تؤثر على كافة أجهزة الجسم، وقد يقصر العمر بشكل ملحوظ. إن اتخاذ قرار الإقلاع عن التدخين يمكن أن يكون أحد أهم القرارات التي يتخذها الشخص للحفاظ على صحته وتحسين جودة حياته.