بعيدا عن أعين كاميرات القنوات المغربية الرسمية ، و المواقع الالكترونية التي تهتم فقط بأخبار المدن والمراكز الحضرية ، تواصل جمعية رحل صاغرو للتنمية بالنقوب ،باقليم زاكورة ،ورغم ضعف الإمكانات المادية، وغياب دعم الجماعة المحلية،المجلس الإقليمي والجهوي ، وكذا وزارة التربية الوطنية ،مهمتها الإنسانية في محاربة الأمية والجهل في صفوف الاطفال الرحل بأكثر المناطق عزلة بجبال صاغرو(ناحية تگراكرا/جماعة النقوب/اقليم زاكورة/جهة درعة تافيلالت) .
كل صباح، يتوجه الأستاذ محمد ،وهو طالب جامعي،إلى الخيمة المدرسية ، في وسط الجبال،بعد أن يقطع ما يقارب 45 دقيقة بين المسالك والشعاب نزولا وصعودا ،يصل أخيرا إلى مدرسته،في انتظار وصول ثلة من الأطفال الرحل ،ضمنهم بعض البنات،قادمين من جهة الشمال،قاطعين هم أيضا مسالك ليصلوا بعد ما يقارب 45 دقيقة إلى مدرستهم .
يستقبلهم الأستاذ محمد كعادته، أمام باب الخيمة المدرسية، وهم يلقون عليه التحية ، منتظمون في صف واحد، في انتظار إشارة الدخول إلى الخيمة التي هي عبارة قسم ذو ارضية إسمنتية،بداخلها مقاعد تنتظر هؤلاء الأطفال المنسيين.
يدخل هؤلاء الأطفال إلى الخيمة ،يجلسون في مقاعدهم ،ويضعون محافظهم، في انتظار بداية الدرس.
بعد تسجيل حضور التلاميذ، وكتابة التاريخ ،يثير الأستاذ محمد انتباه تلاميذه نحو الدرس مستعملا السبورة البسيطة المتبثة على عودين خشبيين.
يستمر الأستاذ محمد في تقديم درسه للأطفال،ما بين قراءة الحروف والكلمات،الكتابة،الرياضيات،وحفظ بعض الايات القرآنية القصيرة،الحروف الفرنسية، ويقتصر عمل الأستاذ محمد على مكونين فقط لمدة ساعتين،وفق توزيع زمني يومي أعدته الجمعية ،ويراعي إيقاع ومستوى التلاميذ الرحل .
بعد ساعتين من الدرس،يعلن محمد لتلاميذه حلول فترة الإستراحة،ليخرج التلاميذ من الخيمة ،من أجل اللعب وأخذ قسط من الراحة،وقضاء حوائجهم ،والتخلص من بعض التعب.
الأستاذ محمد،هو بدوره،يخرج من الخيمة ،لأخذ قسط من الراحة،مواكبا عملية اللعب لدى الأطفال مشاركا إياهم أحيانا في ذلك، أو الإنشغال بإعداد ما تبقى من دروس فترة ما بعد الإستراحة .
بعد ربع ساعة من الإستراحة،يعود الأطفال إلى خيمتهم التعليمية،لتلقي ما تبقى الدرس،وقبل خروجهم بساعة تخصص لهم يوميا حصة للترفيه سواء الرسم أو اللعب أو الأغاني لكسر ملل الدروس.
يصل وقت الخروج ،يجمع التلاميذ أدواتهم المدرسية في محافظهم،وبعد توديع الأستاذ ،ينطلق عبر الشعاب،عائدين إلى مخل سكناهم ،ويعود الأستاذ هو الآخر من جهة مقابلة نحو محل سكناه.
هكذا يعيش هؤلاء الأطفال المغاربة المنسيون، في وسط جبال صاغرو،رفقة معلمهم محمد، آملين أن تحصل مدرستهم على نفس الدعم التي تتلقاه مدارس أخرى حكومية،وتتحول خيمتهم في يوم من الأيام إلى قسم مدرسي(فرعية) تابعة لمجموعة مدارس النقوب، ويستفيد تلاميذها من منحة تيسير،و من نفس الظروف، تفعيلا لمبدأ المساواة ومدرسة الإنصاف الذي تتخذه وزارة التربية الوطنية شعارا لها في كل دخول مدرسي وفي برامجها.
وتسعى جمعية رحل صاغرو للتنمية بالنقوب ،إذا توفرت لها الإمكانيات المادية الكافية،إلى تمكين أطفال آخرين مشتتين بين ثنايا جبال صاغرو، من الإستفادة من هذه المدرسة،عبر توفير الإطعام وتحفيز الأسر من الرحل ،الذين لم تسعفهم الجغرافيا في الإقتراب من الخيمة التعليمية، كما تسعى الجمعية لتعميم نفس التجربة،في نواحي جبلية تقف بينها وهذه الخيمة المدرسية موانع جبلية (الجبال) لا تسمح للأطفال بالذهاب والمجيء في ظروف آمنة .
مثل هذه المبادرات في عمق (المغرب العميق) ،تستحق من الإعلام الوطني المغربي،وإعلام الجنوب الشرقي الدعم اللازم، ومن مؤسسات الدعم ،لأنها مبادرات قيمة تستهدف الفئات الهشة بالمجتمع المغربي،والبعيد عن قنوات التلفزة الوطنية وإعلامها وكذا عن اهتمام برامج الحكومة.