التنمية المجالية بجهة درعة تافيلالت الحاضر الغائب في الخطابات السياسية

19 نونبر 2025
التنمية المجالية بجهة درعة تافيلالت الحاضر الغائب في الخطابات السياسية
بقلم: مصطفى هادي

جرت العادة عند الحديث عن التنمية استحضار القيم والمعايير السلوكية، وتوفر الإرادة الذاتية للباحث السياسي، وسط زخم الخطابات النقدية بشتى أنواعها ورموزها، شعبية كانت أم سياسية، في إطار العلاقات والتفاعلات المجالية، أمام الإكراهات والتحديات بأشكالها. فاستمرار قضايا التنمية هو جوهر التدافع السياسي من داخل الجماعات الترابية بأنواعها، فالجوهر يبقى والمتغير هو التكتل الذي غالبا ما يبحث عن المشترك، لخلق الوحدة والانسجام بين مختلف الفرقاء السياسيين لإنشاء مجلس مشترك بشتى الوسائل.

على ضوء هذا المنطلق يستمر هذا التكتل مهما تنوعت خلفيته. لكن؛ قد تطغى على هذا الأصل أحيانا عوارض تكون دليلا على أزمة ما تعرقل تحقيق التنمية، أو بابا تتخلله مدخلات للتحليل والتقييم من ناحية، ومن ناحية أخرى نوافذ للاستشراف بمستقبل المجالس الجماعية برمتها. وفي هذا السياق يقتضي منا أن نسأل تلكم المجالس عن مدى حضور عنصر التنمية في تفكير نخبها السياسية، وقد يكون من المثير جدا لمتتبعي الشأن العام سواء المحلي منه، أو الجهوي، أن يكون أكثر صراحة لتوضيح جدية الفاعل السياسي بهذه الجماعة أو تلك، من منطلق إجابات عن تساؤلات عميقة، تستمد جذورها من نقاشات في جلسات عمومية، وأخرى مستمدة من مختلف مواقع التواصل الاجتماعي محلية كانت أم جهوية، تعبر عن مختلف التمثلات لدى ساكنة الجهة على وجه العموم، والتي تعد شكلا من أشكال المشاركة والبحث في المشترك وإعطاء الدروس لتقييم المسيرة التنموية المحلية والجهوية.

فعلى مدى أربع سنوات شهدت مختلف الجماعات الترابية محاولات رائعة لتحقيق التنمية في انطلاقاتها عبر إعداد برامج عملها الأولى. لكن؛ سرعان ما تحولت الانطباعات إلى انتقادات لاذعة، مع بداية مختلف الأوراش التنموية المطرزة بألوان وزخارف الجاذبية السياحية.  تلك التي أصبحت أكثر مدعاة للتأمل والدهشة، وشيئا فشيئا تراءى لمجموعة من المنتخبين قلة التجربة، وضعف القيادة في مختلف مكاتب التسيير لتتبع مختلف الأوراش، وتعويض ذلك بترويج صور البهرجة، ونشر سياسة الأمر الواقع. وأحيانا خلق ثنائية الصراع السياسي والأيديولوجي للحد من صلاحية الأعضاء في التداول، وتغييب الآليات الديمقراطية حتى بدت أزمة الثقة بين مدبري الشأن العام المحلي، والجهوي أمام استغلال الصلاحيات بالقدر الذي تخوله القوانين الداخلية للجماعات. وأحيانا أخرى رفع فيتو السلطة الإلزامية في تسير الدورات كتحديد المدة الزمنية، أقل ما يمكن أن يقال عنها أنها شكل من أشكال التعسف السياسي، وأحد عقبات نجاح التنمية، والمعاكس لمطالب الرأي العام بضرورة التداول الفعلي فيما يهم الشأن العام بشكله الإيجابي لا الصوري، تحقيقا للتنمية الشاملة. بعيدا عن فرملة الزمن الإيديولوجي من هذا القبيل لإضفاء الشرعية على قرارات المجلس الإلزامية، بالرغم من عدم اكتمال التداول بالشكل المطلوب.

وعند الوقوف عند تحليل الخطابات السياسية من داخل دورات المجالس، فإنها لا تعدو أن تكون تلك الخطابات موجهة وتتجاوز منطق التنمية والحكامة. ضاربة بذلك الديمقراطية التشاركية عرض الحائط في صنع القرار معتمدة منطق الإشارة، والإثارة دون التركيز على القواعد والقوانين لانحسار التجربة ومحدودية الفهم للنصوص. وهنا؛ يقع الفاعل السياسي المدبر للشأن العام في أزمة الإقناع، ومن ثمة استعمال أساليب التمسك بقانون الغلبة العددية لتمرير وإضفاء الشرعية لقراراته سعيا لإخفاء ضعفه، وجعل هذا السلوك السياسي مخرجا فجائيا كحلة سياسية مصاحبة لمختلف الدورات. ومن ثمة انحسار التدافع السياسي وهرولة مختلف الأطياف السياسية بما فيها المعارضة نحو التبعية تهربا من الإحراج وسؤال المتابع، وهذا سبب جوهري من أسباب ضعف التنمية وبطء عجلتها بالجماعات الترابية. مما يؤجج وتيرة الغضب والسخط لدى الساكنة، وتوسيع الهوة بين الواقع والمأمول، ان لدى المنتخبين أو منتقديهم. مما قد يروج في الأفق إشكالات من قبيل الحقيقة الضائعة في مواجهة الواقع، أمام مجتمع هش وخصوصية محلية تقدس الموروث لا قدرة لها على فهم الواقع القائم. واستفحال ظواهر لفظية معشوقة حلت محل الفعل أضفت عليها طابع الديمقراطية كنوع من أنواع الصور التعبيرية، تخديرا للفاعلين واستغلالا لدلالة قاموسها المحلي بقصد توظيفها كنوع من أنواع التهرب من ملامسة الواقع ونقض للتعهدات. لتطفو في الأخير على المجالس أزمة الفعل التنموي والخوف والهروب من المجابهة، وهو ما يفسر عدم القدرة على التنفيذ لغياب القدرة على الفعل والقصور في التصور. وهنا يطرح السؤال هل يرجع الأمر إلى كبر الموارد أكثر من كفاءات المسؤولين التنفيذيين أم أن الأمر راجع إلى غلبة التبعية وفقدان الإرادة؟!

ومن هذه الزاوية يتضح السلوك، وتنبع الظاهرة الموسمية بالفردانية في التسيير والمراشقة بالألفاظ والمصطلحات الشعبوية، واحتكار التدخلات، وهدر زمن التداول من داخل دورات المجالس، وممارسة سلطوية القوانين في توزيع التداول لتقليص المشاركة العددية، ومن خلالها التحكم في الزمن التداولي عوض التنموي. وهذا ما يجعل نمط سلطة المتلقي في مختلف الدورات حاضرة حتى لا تكون أفعالهم محل انتقادات الفاعلين السياسيين، مما يجعل التراكمية السياسية تتآكل والتجارب تراكم الأخطاء، وخلق العداوات الأزلية عبر مختلف المجالس المتعاقبة عوض التدافع والترافع من أجل استمرار التنمية واستدامتها، وتوريث المنجزات لا الأعطاب، والإكراهات. وأمام هذا الوضع يبقي المواطن والتنمية يدفعان تكاليف الإصلاح على مسرح المعاناة تحت شعار التنمية الحاضر الغائب في تدوير دائم، أمام غياب الشفافية والافتقار للمواقف والمبادرات الصادقة، والإيجابية واستحضار مبدأ التدافع والتداول لمسايرة التنمية في جهة تنشد رد الاعتبار، وتوحيد الجهود، بدل الدوران داخل الحلقة المفرغة حلقة التكييف وانعدام الجدوى؟!

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة